الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأخبار ***
للأعمش عن إسماعيل بن رجاء حدّثني إسحاقُ بنُ إبراهيمَ بن حبيب بن الشَهيد قال: حدّثنا محمد بنِ فُضَيْل عن الأعْمش قال: كان إسماعيلُ بن رَجَاء يَجمع صِبْيانَ الكُتَاب فيُحدَثهم كيلا يَنْسَى حَدِيثه. بين حبيب بن أبي ثابت والأعمش وحدّثني إسحاق الشَهيديً قال: حدثنا أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش قال: قال لي حبيب بن أبي ثابت: لو أنّ رجلًا حدَّثني عنك بحديثٍ ما بالَيْت أن أرْوِيه عنك. لربيعة بن أبي عبد الرحمن حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي عن نافع عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: ألْف عن ألفٍ خير من واحدٍ عن واحدٍ إن فلانًا عن فلانٍ يَنْتَزع السُنَة من أيديكم. للحسن في: وَيْح حدثني الرياشيٌ قال: رُوِي عن محمد بن إسماعيل عن مُعتَمِر قال: حدّثني مُنْقذٌ عن أيوب عن الحسن قال: وَيْح: رَحْمة. للنبي صلى الله عليه وسلم حدثنا الرياشيّ قال: رَوى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سُهَيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هُرَيرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَضَى باليمينِ مع الشاهد؛ قال ربيعة: ثم ذاكرتُ سُهَيْلًا بهذا الحديثِ فلم يَحفظه، فكان بعد ذلك يَرْوِيه عني عن نفسه عن أبيه عن أبي هُرَيرة. لشعبة عن قتادة في الحديث حدثني أبو حاتم عن الأصمعيّ عن شُعْبة قال: كان قَتَادةُ إذا حدث بالحديث الجيِّد ثم ذهب يجيء بالثاني غدْوَه. لشعبة وقد سُئِل عن الني يُترك حديثه يلغني عن ابن مَهْديٍّ قال: سئل شُعْبَةُ: مَن الذي يُتْرَكُ حديثه؟ فقال: الذي يُتَهم بالكَذِب، ومن تكثر بالغَلط، ومن يخطئ في حديث مُجْمَع عليه فلا يَتَهِمُ نفسَه ويُقيم على غَلَطِه، ورجل رَوَى عن المعروفين ما لا يَعْرفه المعروفون. لمالك في أربعة لا يؤخذ العلم منهم وعن مالك أنه قال: لا يُؤخَذُ العلمُ من أربعة: سفيهٍ معلَن بالسفه، وصاحبِ هَوىً، ورجلٍ يَكذِب في أحاديث الناس وإن كنتَ لا تَتَهمه في الحديث، ورجل له فضل وتعفّف وصلاح لا يعرِف ما يحدث. شعر للأصمعي يرثي سفيان ابن عيَيْنَة حدثني عبدُ الرحمن عن الأصمعي أنه رَثَى سفيان بن عُيينة فقال: فَلْيَبْكِ سُفْيانَ باغي سُـنَةٍ دَرَسـتْ *** ومُسْـتَـبِـيتُ أثـاراتٍ وآثـارِ ومُبْتَغِي قُرْب إسنادٍ ومـوعـظةٍ *** وافَقِيُّون من طَـارٍ ومـن طـارِ أمْستْ مجالِسُه وَحْشًا مُـعَـطـلةً *** من قاطنِين وحُجـاجٍ وعُـمًـار مَن للحديث عن الزُهرِيِّ حين ثَوَى *** أو للأحاديثِ عَنْ عَمْرِو بن دينارِ لن يَسمَعُوا بعلي مَن قال حدّثنا ال *** زهري من أهل بدْوِ أو بإحْضارِ لا يَهنأ الشامِتَ المسرًورَ مَصْرَعهُ *** من مارقينَ ومِن جُحَـاد أقـدار ومِن زَنـادِقةٍ جَـهْـمٌ يَقُـودهـم *** قَوْدًا إلى غَضَبِ الرحمن والنـارِ ومُلْحِدين ومُرتابين قد خَـلَـطُـوا *** بِسُنًة الله اهـتـارا بـاهْـتـارِ لآخر يرثي مالك بن أنس وقال آخر في مالك بن أنس الفقيه: يَأبَى الجَوَابَ فما يُراجَعُ هَيْبَةً *** والسائلون نَواكِـسُ الأذقـانِ هَدْيُ التقيّ وعز سلطان التُقَى *** فهو المُطاع وليس ذَا سُلْطانِ لهشام بن حسّان عن الحسن حدّثنا أبو الخَطَاب قال: حدّثنا محمد بن سًوّار قال: حدّثنا هِشام بن حسان قال: كان الحسن يًحدثنا اليومَ بالحديث ويرُدُه الغَدَ ويزِيد فيه وينقُص إلا أن المعنى واحد. لحذيفة بن اليمان حدثني أبو الخطاب قال: حدّثنا ميمون قال: حدّثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال حُذَيْفَةُ بن اليَمَان: إنا قوم عَرَب فنقدِّم ونؤَخِّر ونَزيد ونَنْقُص، ولا نرِيد بذلك كَذِبا. لأبي إسحاق الشامي ولمسعر أبو معاوية قال: قال أبو إسحاق الشاميّ: لو كان هذا الحديث من الخبز نقص. أبو أسامة قال: قال مِسعر: من أبغضني فجعله الله محدّثًا. للأعمش ولسفيان في كراهية التحدث أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول: والله لأنْ أتصدَق بِكِسْرة أحسن إليّ من أن أتحدث بستين حديثًا. أبو أسامة قال: سمعت سُفْيانَ يقول: لوددتُ أنها قُطِعتْ من هامتي، وأومَأ إلى المَنْكب وأني لم أسْمَع منه شيئًا. لأبن عيينة في مثل فلك المعنى قال ابن عُيَينة: ما أحدث لمَن أحِبّ أن يكون أحْفَظَ الناس للحديث. قال بعضهم: إنَي لأسمْع الحديثَ عُطلا فأشَنَفه وأقرطه وأقلده فيَحسنُ، وما زدتُ فيه معنى، ولا نقصت منه معنى. للأعمش وقد سأله حفص بن غياث عن إسناد الحديث أبو أسامة قال: سَأل حَفْص بن غياثٍ الأعمشَ عن إسناد حديثٍ فأخذ بِحَلْقه وأسنده إلى الحائط وقال: هذا إسناده. مثله للسمّاك وللحسن وحدث ابن السًمِّاك بحديثٍ فقال له رجل: ما إسناده؟ فقال: هو من المُرْسَلَاتِ عُرْفا. وحدث الحسن بحديث، فقال له رجلٌ: يا أبا سعيد، عمن؟ قال: وما يصنع بمَن؟ أما أنت فقد نالتْك موعِظتُه، وقامت عليك حجته. للأعمش في طلب الفقه يَعْلَى قال: قال الأعمش: إذا رأيتُ الشيخ لم يطلب الفقهَ أحببتُ أن أصْفَعَه. ابن عُيينة قال: قال الأعمش: لولا تَعَلُّم هذه الأحاديث كنتُ كبعض بَقَالي الكُوفة. بين حاج خراساني وابن عُيَيْنة ازدحم الناس يومًا على باب ابن عيينة أيام المَوْسِم وبالقُرب منه رجل من حاجَ خُراسَان قد حطّ بمَحْمِله فَدِيس وكُسِرَ ما كان معه وانتهب كَعْكُه وسَوِيقُه، فقام يسيرُ إلى سفيانَ ويدعو وبقول: إني لا أحِل لك ما صنعتَ؛ فقال سفيان: ما يقول؟ فقال بعضهم: يقول لك: زدنا في السماع رحمك اللّه. شعر العلاء بن المنهاد الغنوي في شريك أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي للعَلاء بن المِنْهَال الغَنَوِي في شَرِيك: ليت أبا شَرِيكٍ كـان حـيًا *** فيُقْصِرَ حين يُبصِرُه شَرِيكُ ويَتْرُكَ من تَدرَيه علـينـا *** إذا قلنا له هـذا أبـوكـا مثله لآخر في شريك وقال آخر: تحرّز سُفـيانٌ وفـرْ بـدينـهِ *** وأمسى شرِيكٌ مُرْصَدًا للدراهم ولآخر في شهر بن حوشب وقال آخر في شَهْر بن حَوْشَبٍ: لقد باع شهرٌ دينَه بـخَـرِيطةٍ *** فمن يأمن القراء بعدك يا شهرُ وذلك أنه كان دخل بيت المال فسَرَق خَرِيطةً، ورافق رجلًا من أهل الشام فَسَرق عَيْبَتَه. ولابن مناذر يهجو ابن داب وقال ابن مُنَاذِر: ومن يبغ الوَصَاةَ فإن عِنْـدي *** وَصاةً للكُهُول وللـشَـبـابِ خذوا عن مالكٍ وعن ابن عَوْنٍ *** ولا تَرْوُوا أحاديثَ ابـن دَاب لحبيب بن أبي ثابت ثم لسفيان عبد العزيز بن أبَان عن سُفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال: طلبنا هذا الأمر وما لنا فيه نِيّة، ثم إنّ النية جاءت بعدُ؛ فقال سفيان: قال زيد بن أسْلَم: رأيتم رجلًا مدّ رِجله فقال: اقطعوها سوف أجْبُرها. لرقبة بن مصقلة قيل لرَقَبَة: ما أكثر شَكّك! فقال: محاماة عن اليقين. وبين شعبة وأيوب السختياني وقال بعضهم: سأل شُعْبَةُ أيُّوب السخْتِيَانيّ عن حديث فقال: أنا أشُك فيه. فقال: شَكُّكَ أحبّ إلي من يقينِ سبعة. للشرقي بن قطامي وقد سُئِل عما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثني بعضُ الرواة قال: قلت للشرَقِي بن قُطَامَي: ما كانتِ العربُ تقول في صلاتها على موتاها؟ فقال: لا أدري، فأكْذِب له؛ فقلت: كانوا يقولون: ما كنتَ وَكْوَاكًا ولا بِـزَوَنَـكٍ *** رُوَيْدكَ حتى يَبْعَثَ الحًقّ باعِثُهْ وَكْوَاك: غليظ، وزونك: قصيرة قال: فإذا أنا به يُحدث به في المقصورة يومَ الجمعة. لأبي نواس قال أبو نُوَاس: حدثني الأزرقُ المحـدثُ عـن *** عَمْرو بن شِمْر عن ابن مسعود لا يُخلِفُ الوعدَ غيرُ كـافـرِه *** وكافرٍ في الجحيم مَصـفـودِ بين شقيق البلخي وعلي بن إسحاق في أبي حنيفة حدثني مِهْيَار قال: حدثني هُدْبَةُ بن عبد الوهاب عن شَقيق البَلْخِيّ أنه أطرى يومًا حنيفة رحمه الله بمَرْو فقال له عليّ بن إسحاق: لا تُطْرِه بمَرْو فإنهم لا يحتملون ذلك. فقال شَقِيق: قد مَدَحه مُساوِرٌ الشاعر فقال: إذا ما الناسُ يومًا قَايَسُونـا *** بآبِدَةٍ من الفُتْيَا ظَـرِيفَـهْ أتيناهُمْ بمقْياسٍ صـحـيح *** تِلادٍ من طراز أبي حنيفة إذا سمع الفقِيهُ بها وعاها *** وأثبتها بحبرٍ في، صحيفة فقال له: قد أجابه بعض أصحابنا: إذا ذُو الرَّأي خَاصمَ في قِياسٍ *** وجاء بِبدْعَةٍ هَنَةٍ سـخـيفـه أتيناهم بقـول الـلـهّ فـيهـا *** وآثـارٍ مـبَـرَّزة شــريفة فكم من فَرْج مُحْصَنَةٍ عَفِـيفٍ *** أحلً حرامُه بأبي حـنـيفـه أقال أبو حنيفة بنت صُـلْـبٍ *** تكون من الزنا عُرْسًا صحيحه لرجل وقد سمع مناديًا يطلب شيخًا ضالًا فأحضره إلى بِشر المريسي سَمِع رجل مناديًا يُنادي: من يَدئُنا على شيخ ضل؟ فقال: ما سمعتُ كاليوم شيخٌ يُنَادي عليه، ثم جاء به إلى بِشْر المِريسِي فقال: هذا شيخ ضال فَخُذْ بيده؛ وكان بِشْرٌ يقول بخلقَ القرآن. بين المأمون وعلي بن موسى الرضي قال المأمونُ يومًا لعلي بن موسى رضي عليهما السلام: بم تدعون هذا الأمر. قال بقرابة علي من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقرابة فاطمة رضي الله عنها. فقال المأمون: إن لم يكن هاهنا شيء إلا القرابة ففي خَلَفِ رسول الله !صلى الله عليه وسلم من أهل بيته مَنْ هو أقربُ إليه من علي، ومَنْ هو في القرآن مثلُه، وإن كان بقرابة فاطمةَ من رسول الله، فإن الحق بعد فاطمةَ للحَسَن والحُسَين وليس لعلي في هذا الأمر حق وهما حَيان؛ وإذا كان الأمر على ذلك، فإن عليًّا قد ابتزهما جميعًا وهما حيان صحِيحان، واستولى علي على ما لا يَجِبُ له. فما أحارَا علي بن موسى نطقا. حدثنا الرياشيٌ قال سمعت الأصمعي ينشد: وإنَي لأغْنَى الناس عن متـكـلـم *** يَرعى الناسَ ضلالًا وليس بُمهتدي وأنشدني أيضًا الرِّياشي: وعاجزُ الرأي مِضْيَاع لفُرْصَتهِ *** حتى إذا فات أمْرٌ عاتبَ القَدرا وقال آخر: إذا عُيروا قالوا مقاديرُ قُدَرَتْ *** وما العارُ إلا ما تَجُر المَقَادرُ وأنشدني سَهْلٌ عن الأصمَعِي: يا أيها المُضْمِرُ هَمًا لا تُهـم *** إنك إن تُقدرْ لك الحُمَى تُحَمً ولو غَدوْتَ شَاهِقًا من العَلَم *** كيف تَوَقَيك وقد جَفً القَلَمْ وأنْشَدني غيرُه: هِيَ المقاديرُ فَلُمْـنِـي أو فَـدَرْ *** إن كنتُ أخطأتُ فما أخطأ القَمَر لأبي يوسف القاضي في طالبي الدين والكيمياء والحديث قال أبو يوسف: مَن طَلَب الدين بالكلام تَزَنْدَق، ومَن طلب المال بالكيمْيَاء أفْلَس، ومَن طَلَب غرائِبَ الحديث كَذَب. لمسلم بن أبى مريم وقد كُسِرت رجله كان مُسْلِمُ بن أبي مَرْيم - وهو مَوْلًى لبعض أهل المدينة وقد حُمِل عنه الحديثُ - شديدًا على القَدَرِنة، عائبًا لهم ولكلامهم، فانكسَرت رِجلُه فتركها ولم يَجْبُرها، فكُلِّم في ذلك فقال: يَكْسِرها هو وأجبْرُها أنا لقد عاندته إذًا. بين هشام بن الحكم وبين رجل قال رجل لهِشَام بن الحَكَم: أترى الله عز وجل في فضله وكَرَمه وعَدْله كَلًفَنَا ما لا نُطيق ثم يُعَذَبنا؛ فقال هشام: قد والله فَعَل، ولكننا لا نَسْتَطيع أن نتكلم. بين قَدري ومجوسي حدثني رجلٌ من أصحابنا قال: صاحَبَ رجل من القَدَرِية مَجُوسِيًّا في سَفَر فقال القدَري: يا مجوسي، ما لك لا تُسْلِم؟ قال: حتى يَشَاء الله! قال: قد شاء الله ذلك، الشيطانَ لا يَدَعُك. قال المجوسي: فأنا مع أقواهما. بين أبو عَمْرو بن العلاء وعَمْرو بن عبيد اجتمع أبو عَمْرو بن العَلاَء وعمرو بن عُبَيد فقال عمرو: إن الله وَعَدَ وَعْدًا وأوْعَد ايعادًا وإنه مُنْجِزٌ وعْدَه ووعيدَه. فقال له أبو عَمْرو: أنت أعْجَم! لا أقول إنَك أعْجَمُ اللسان، ولكن أعجم القَلْب! أما تعلم، وَيْحَكَ! أن العرب تَعُد إنجاز الوَعْد مَكْرُمة، وتَرْكَ إيقاع الوعيد مكرمة ثم أنشد: وإني وَإنْ أوْعدْتُه أو وعَـدْتُـه *** لمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعدي بين حبيب بن الشهيد وإياس بن معاوية في القدري حبيب بن الشهيد قال: قال إِياسُ بن معاوية: ما كلَّمتُ أحدًا بعَقْلي كفَه إلا صاحب القَدَر قلت: ما الظلمُ في كلام العرب؟ قال: هو أن يَأخُذ الرجلُ ما ليس له، قلت: فإن الله له كل شيء. من كتاب الهند وفي كتاب للهند: اليقينُ بالقدر لا يَمنعُ الحازِمَ تَوَقَيَ المهالك، وليس على أحدٍ النّظرُ في القدر المُغَيَّب، ولكن عليه العمل بالحَزْم، ونحنُ نجمَعْ تصديقًا بالقدَرَ وأخذًا بالحَزْم. بين ابن سوّار ورافضيّ حدثني خالد بن محمد الأزْدي قال: حدّثنا شَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ قال: سَمِعتُ رجلًا من الرافضة يقول: رحِمَ اللهّ أبا لُؤْلُؤةَ! فقلت: تَتَرَحّم على رَجُلٍ مَجُوسيّ قتل عُمَرَ بنَ الخَطّاب رضي اللّه عنه! فقال: كانت طعنَتُه لِعُمَر إسلامَه. لأمير من أمراء المدينة ورجل شتم أبا بكر وعمر حدثني أحمدُ بن الخليل قال: حدثنا الأصمعي قال: أخبرني عاصم بن محمد العُمَرِيّ كنتُ جالسًا عند أميرٍ من أمراء المدينة فأتِيَ برجلٍ شَتَم أبا بكر وعُمَر فأسلمه حجامًا حتى حذق. لبعض شعراء الرافضة في محمد بن الحنفية وقال بعضُ شعراء الرافِضة في محمد بن الحَنَفِيّة: ألا قُلْ للوَصِيّ فَدتْك نـفـسـي *** أطلْتَ بذلك الجَبَل المُـقـامـا أضَر بمعْشـرٍ وَالَـوْكَ مـنّـا *** وسًمّوْك الخَلِـيفةَ والِإمـامَـا وعَادَوْا فيك أهلَ الأرض طُـرًّا *** مُقامك عنهمُ سـتـين عـامـا وما ذاق ابن خَوْلة طَعْمَ مـوتٍ *** ولا وَارتْ له أرضٌ عِظـامـا لقد أمسى بمُورِق شِعْب رضْوى *** تُراجعهُ الملائكةُ الـكـلامـا شعر لكثير عزّة يمدح علي بن أبي طالب وأولاده وقال كُثَير عَزّة فيه وكان رافِضِيًّا يقول بالرَّجْعة: ألا إن الأئِمّة مـــــــن قُــــــــرَيشٍ *** وُلَاةً الـــحَـــق أربـــعةٌ سَــــــواءُ علـي والـــثـــلاثةُ مـــن بـــنَـــيهِ *** هُمُ الأسـبـاطُ لـيس بـهـــم خَـــفَـــاءُ فسِـبْـــط سِـــبْـــطُ إيمـــانٍ وبِـــرٍّ *** وسِـبْـطٌ غَــيَّبـــتَـــهْ كَـــرْبَـــلاَءُ وسِـبْـطٌ لا يَذُوق الــمـــوتَ حـــتـــىِ *** يَقُـودَ الـخـيلَ يَقْـدُمـهـــا الـــلِّـــوَاءُ تغيب لا يُرَى عنهم زمانًابِرَضوَى عنده عَسَل وماءُ *** وهم يذكرون أنه دخل شِعْبا باليمن في أربعين من أصحابه فلم يُرَ لهم أثر. لطلحة بن مصرّف قال طلحة بن مُصرف لرجل: لولا أني على وُضوءٍ لأخبرتُك بما تقول الشَيعة. شعر لهارون بن سعد العجلي الزيدي يتبرأ من الرافضة قال هارون بن سعد العِجْلي وكان رَأْسَ الزيدية: ألم تَرَ أن الرافِـضِـين تَـفَـرًقُـوا *** فكُلهُمُ في جَعْفـرٍ قـال مُـنْـكَـرَا فطـائفة قـالـوا إِلـهٌ ومـنـهـمُ *** طوائف سَمّتْهُ النبيَّ الـمُـطـهَـرَا فإن كان يَرْضَى ما يقولون جعـفـرٌ *** فإنَي إلى رَبي أفـارِق جَـعْـفَـرَا ومن عَجب لم أقْضِهِ جِلْدُ جَفْـرِهـم *** بَرِئتُ إلى الرحمن ممن تَـجَـفَـرا بَرِئت إلى الرحمن من كل رافـضٍ *** بَصيرٍ بباب الكُفْر، في الدين أعـورا إذا كًفّ أهلُ الحق عنِ بدْعة مَضَـى *** عليها وإن يَمْضُوا على الحق قصرا ولو قال إن الفِيلَ ضب لـصـدّقـوا *** ولو قال زِنْجِي تـحـوَّل أحْـمَـرَا وأخْلَفُ من بَوْل الـبَـعِـير فـإنـه *** إذا هـو لـلإقـبـال وُجـه أدْبَـرا فَقُـبـحَ أقـوام رَمَـوْه بِـفــرْيةٍ *** كما قال في عيسى الفِرَى من تَنصرا لبعض أهل الأدب في الروافض سمعت بعضَ أهل الأدب يقول: ما أشبهَ تأويل الرافضة للقرآن بتأويل رجل للشِّعْر، فإنه قال يومًا: ما سمعتُ بأكذَبَ من بني تميم! زعموا أن قولَ القائل: بَيْتٌ زُرَارةُ مُحْتَبٍ بِـفـنَـائه *** ومُجاشِع وأبو الفوارِس نَهْشَلُ إنما هو في رجال منهم، قيل له: ما تقول أنت. قال: البيت بيت اللّه، وزُرارة الحجر؛ قيل له: فمجاشع؟ قال: زمزم جَشِعت بالماء؛ قيل له: فأبو الفوارس. قال: أبو قُبَيْس؛ قيل: نهشل؟ قال: نهشل أشد. وفكر ساعةً ثم قال: نعم، نهشل! مِصباح الكعبة طويلٌ أسودُ فذاك نهشل!.
لأعشى همدان يذكر قتل الرافضة الناسَ قال أعشىِ هَمْدَان يذكُر قتلَ الرافضةِ الناسَ: إذا سِرْت في عِجْل فسِر في صحابة *** وكِندَة فاحذرْها حِذَارك للخَـسْـفِ وفي شيعة الأعْـمـى زِيادٌ وغِـيلَة *** ولَسْبٌ وإعمال لجنـدلة الـقَـذْفِ الأعمى هو المُغيرة. وزياد يعني الخَنْق. واللسْب: السم؛ وإعمال لجِنْدلة القذف: يريد رَضْخهم رؤوسَ الناس بالحجارة. ثم قال: وكُلُّهُمُ شَر على أنَ رَأسَـهـم *** حَمِيدَةُ والمَيْلاَءُ حاضِنةُ الكِسْفِ والكِسْفُ هذا هو أبو منصور، سُفَي بذلك لأنه قال لأصحابه: قي نَزَلَ: "وَإنْ يَروا كِسْفًا مِنَ السًمَاءِ سَاقِطًا"وكان يَدِين بخَنْق الناس وَقَتْلِهم. ثم قال: مَتى كُنتَ في حيًيْ بِجَيلَةَ فاستَمِعْ *** فإن لهم قَصْفا يَدلُ على حَتْـفِ كان المغيرة بَجَليًا مولى لهم. إذا اعتَزَمُوا يومًا على قَتْل زَائرٍ *** تَدَاعَوْا عليه بالنُّبَاح وبالعَـزْفِ ولابن عيينة وكان ابن عُيينة يُنشِد: إذا مَا سَرك العَيْشُ *** فَلا تأخذْ على كِنْدَهْ يريد أن الخَنّاقين من المنصورية أكثرًهم بالكوفة من كِنْدَة، منهم أبو قُطْبة الخَنّاق. قتل خالد بن عبد اللّه للمغيرة وشعر في ذلك حدثني أبو حاتم قال: حدّثنا الأصمعي عن ابن أبي زائدة قال: قال هِشَام بنُ القاسم: أخذ خالد بنُ عبد اللّه المُغِيرَةَ فقتله وصَلَبَه بوَاسِط عند مَنْظَرة العاشر، فقال الشاعر: طال التًجاوُرُ من بَيانٍ واقـفـًا *** ومن المُغِيرة عند جِذْع العَاشِرِ يا ليته قد شال جِذْعـا نـخْـلَةٍ *** بأبي حنيفة وابن قَيْس الناصر وبيان هذا هو بيان التبان وكان يقول: إلي أشار الله إذ يقول: "هَذَا بَيَان للناس". وهو أوّل من قال بخَلْق القرآن. سؤال الأعمش للمغيرة بن سعد عن علي بن أبي طالب وأما المغيرة فكان مَوْلًى لبَجِيلَة وكان سَبَائِيًا وصاحبَ نِيْرَنْجَات. قال الأعمش: قلت للمغيرة: هل كان علي يُحْي المَوْتى؟ لقال: لو شاء لأحْيَا عادًا وثَمُودَ وقُرونًَا بين ذلك كثيرًا. بين إسماعيل بن مسلم المكي ورجل ادعى أنه علي بن أبي طالب بَلَغنِي عن أبي عاصِم عن إسماعيلَ بنِ مُسْلم المَكَي قال: كنتُ بالكوفة فإذا قوم من جِيرَاني يُكْثِرُون الدخولَ على رجل، فقلت: مَن هذا الذي تدخُلون عليه؟ فقالوا: هذا علي بن أبي طالب. فقلت: ادْخِلُوني معكم. فمضيتُ معهم وخَبأتُ معي سَوْطًا تحتَ ثِيابي فدخلْتُ فإذا شيخ أصْلَعُ بَطِين، فقلت له: أنت علي بن أبي طالب؟ فأوْمَأ برأسه: أي نعم؛ فأخرجتُ السوْة فما زلت أقنعُه وهو يقول: لتاوي لتاوي، فقلتُ لهم: يا فَسَقَة! عليُّ بن أبي طالبٍ نَبَطِي ثم قلت له: ويلك ما قصتك. قال: جُعْلْتُ فِدَاك، أنا رجلٌ من أهل السوَاد أخذني هؤلاء فقالوا: أنت عليّ بن أبي طالب. حدّثني رجل من أصحاب الكلام قال: دخل هِشامُ بن الحَكَم على بعض الولاة العباسيين فقال رجل للعباسيّ: أنا أقَرِّر هِشامًا بأن عَلِيًا كان ظالمًا. فقال له: إن فعلتَ ذلك فلك كذا؛ فقال له: يا أبا محمد، أما علمتَ أن عَلِيًا نازع العبّاسَ إلى أبي بكر؟ قال: نعم. قال: فأيُّهما كان الظالم لصاحبه؟ فتوقف هِشامٌ وقال: إن قلتُ العباسَ خِفتً العباسي، وإن قلت عَلِيًا ناقضت قولي، ثم قال: لم يَكُن فيهما ظالمٌ. قال: فيختصم اثنان في أمر وهما مُحِقًان جميعًا؛ قال: نعم، اختصم المَلَكَان؛ إلى دَاوُدَ وليس فيهما ظالمٌ إنّما أرادا أن يُنَبِّهاه على ظلْمه، كذلك اختصم هذان إلى أبي بكر ليُعَرفاه ظُلْمَه فأسكتَ الرجلَ وأمرَ الخليفةُ لهشام بصِلَة. شعر لحسان بن ثابت يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال حسّان بن ثابت في النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ثَلاَثَة بَـرزُوا بـسَـبْـقِـهُـمُ *** نَضرَهم ربهـم إذا نُـشِـروا عَاشُوا بلا فُـرْقَةٍ حـياتَـهُـم *** واجتمعوا في الممات إذْ قُبِروا فليس مِن مُسْلم لـه بَـصَـر *** يُنْكِرُ من فَضْلهم إذا ذُكِـرُوا شعر لأعرابي في عبد الله بن عمر يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقال أعرابيّ لعَبْد اللهّ بن عُمَر: إليكَ ابن خَيْرِ الناس إلا محمدًا *** وإلا أبا بَكرٍ نَرُوحُ ونَغْتَـدِي مثله لأبي طالب ولعبيد اللّه بن عمر وقال أبو طالب في سُهَيْل بن بيضاء، وكان أسِرَ فأطْلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فِدَاءٍ، لأنه كان مُسْلمًا مُكْرَهًا على الخروج: وهم رَجعُوا سَهْلَ بنَ بَيْضاء راضيًا *** وسُرّ أبو بَكْرٍ بهـا ومُـحـمـدُ وقال عُبَيد اللهّ بن عمر: أنا عُبيدُ الله يَنـمِـينِـي عُـمَـرْ *** خيرُ قُرَيْش مَن مَضَى ومَنْ غَبَرْ بعدَ رسول الله والشَّـيْخ الأغَـر *** مَهْلًا عُبيَد َالله في ذاك نَـظَـرْ لحسان بن ثابت يرثي أبا بكر رضي الله عنه وقال حَسّان بن ثابت يَرْثِي أبا بَكْرٍ رَضِيَ الله عنه: إذا تَذَكَّرتَ شَجْوًا من أخي ثـقَةٍ *** فاذْكُرْ أخاك أبا بَكرٍ بما فَعَـلا خيرَ البَرِيَّة أتْقاها وأعْـدَلـهَـا *** بعدَ النًبِي وأوفَاها بما حَـمَـلا والثانِيَ الصادقَ المحمودَ مَشْهده *** وأولَ الناس منهم صَدق الرُّسُلا وكان حِبّ رسول الله قد عَلِمُوا *** من البرية لم يَعدِل به رَجُـلا بين جرير بن ثعلبة وشيطان حدثني مِهْيَار الرازي قال: قال جريرُ بنُ ثَعْلَبة: حَضَرْتُ شيطانًا مَرةً فقال: ارْفُقْ بِي فإنَي من الشِّيعة. فقلتُ: فمَن تَعْرِف من الشيعة؟ قال: الأعمش. فخليتُ سَبِيلَه. شعر لأبي هريرة العجلي في محمد بن علي بن الحسين قال أبو هريرة العِجْليّ لمحمد بن علي بنِ الحُسَين عليهم السلامِ: أبا جَعْفَرٍ أنت الوَلـي أحِـبـه *** وأرضى بما تَرْضى به وأتابِعُ أتتنْا رِجال يَحْمِلون عـلـيكُـمُ *** أحادِيثَ قد ضاقتْ بهنَ الأضَالِعُ أحاديثَ أفشاها المُغِيرَةُ فـيهـمُ *** وشَر الأمورِ المُحْدَثَاتُ البَـدائِعُ لعمر بن عبد العزيز حدثني هارونُ بنُ موسى عن الحسن بن موسى الأشْيَبِ عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: قال عُمَرُ بن عبد العزيز: مَن جَعَل دِينَه غَرَضًا لخُصومات أكثَرَ التنقُل. قال: ما ضَر مَن أصبح المأمونُ سَائِسَهُ *** إن لم يَسُسْه أبو بَكْرٍ ولا عُمـرُ بين ملحد وبعض أصحاب الكلام قال بعض المُلْحِدين لبعض أصحاب الكلام: هل من دَليل على حُدوث العَالَم؟ قال: الحركة والسكون فقال: الحَرَكَةُ والسُّكون من العَالَم، فكأنك إذا قلتَ: الدليلُ على حُدُوث العَالَم العَالَمُ. فقال له: وسُؤالُك إيايَ من العَالَم، فإذا جئتَ بمسألة من غير العالم جئتُك بدليل من غير العالم. بين المأمون وثَنَوي نَاظَرَ عنده قال المأمونُ لثَنَوي يُناظر عنده: أسألُك عن حرفين قط، خبرْني: هل نَدِمَ مُسيءٌ قَط على إساءته؟ قال: بَلَى. قال: فالنًدَمُ على الإساءة إساءة أو إحسان؟ قال: بل إحسان. قال: فالذي ندَمِ هو الذي أساء أو غيرُه؟ قال: بل هو الذي أساء. قال: فأرى صاحبَ الخير هو صاحبَ الشر، وقد بطل قولُكم، إنّ الذي ينْظُر نَظَر الوعِيد هو الذي ينظُر نَظَر الرحمة. قال: فإني أزعم أن الذي أساء غير الذي نَدِم. قال: فَندِمَ على شيءٍ كان من غيره أو على شيءٍ كان منه؟ فأسْكَته. بين الموبذ وهشام بن الحكم دخل المُوبَذُ علىِ هشام بنِ الحَكَم فقال له: يا هِشام، حولَ الدنيا شيءٌ؟ قال: لا. قال: فإن أخرجتُ يدي فثَمَّ شيءٌ يَرُدُّها؟ قال هِشام: ليس ثَم شي يَرُدك، ولا شيء تُخْرِج يدك فيه؛ قال: فكيف أعرِف هذا؟ قال له: يا مُوبَذُ؛ أنا وأنت على طَرَف الدنيا فقلتُ لك يا مُوبَذ: إني لا أرى شيئًا، فقلتَ لي: ولم لا تَرَى، فقلتُ لك: ليس هاهنَا ظلام يمنعًني، قلتَ لي: يا هشام إني لا أرى شيئًا، فقلتُ لك: ولم لا ترى؟ قلتَ: ليس ضِياء أنظر به؛ فهل تكافأت المِلَتان في التناقض؟ قال: نعم. قال: فإذا تَكَافأتَا في التناقض لم تَتَكَافأ في الإبطال ليس شيءٌ؟ فأشار المُوبَذُ بيده أن أصَبتَ. ودخل عليه يومًا آخَرَ فقال: هما في القُوّة سَواء. قال: نعم، قال: فَجَوْهَرُهما واحد؟ قال المُوبَذُ لنفسه - ومَن حضَر يَسْمعُ - إن قلتُ: إن جَوْهَرهُما واحد عادا في نَعْتٍ واحد، وإن قلت: مُختلِفٌ اختلفا أيضًا في الهمَم والإرادات ولم يَتفِقا في الخَلْق، فإن أراد هذا قصيرًا أراد هذا طويلًا؛ قال هِشام: فكيف لا تُسْلِم! قال: هَيْهاتَ! بين ملحد وهشام بن الحكم وجاءه رجل مُلْحِد فقال له: أنا أقول بالاثنين وقد عَرَفْتُ إنصافك فلستُ أخاف مُشَاغبَتَك فقال هِشام وهو مشغول بثَوْب يَنْشُره ولم يُقْبِل عليه: حَفِظك اللّه، هل يَقْدر أحدُهما أن يخلقَ شيئًا لا يَسْتعِين بصاحبه عليه؟ قال: نعم؟ قال هِشام: فما تَرْجو من اثنين! واحدٌ خَلَقَ كل شيءٍ أصحّ لك! فقال: لم يُكَلّمني بهذا أحَدٌ قبلكَ. بين المأمون ومرتدّ إلى النصرانية قال المأمون لمُرْتدّ إلى النصرانية خَبَرنْا عن الشيء الذي أوحشَكَ في ديننا بعد أنْسِك به واستِيحاشِك ممّا كنتَ عليه؛ فإن وجدتَ عندنا دَواءَ دَائِك تعالجتَ به، وإن أخْطَأ بك الشَفَاءُ ونَبَا عن دائك الدَّوَاءُ كنتَ قد أعذرتَ ولم تَرْجِع على نفسك بلائمة، وإن قتلناك قتلناك بحُكْم الشريعة، وتَرْجِع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثقَةِ وتَعْلم أنّك لم تُقَصَر في اجتهاد ولم تُفَرط في الدخول من باب الحزم؛ قال المُرْتَدُّ: أوحشني ما رأيتُ من كثرة الاختلافِ فيكم، قال المأمون: لنا اختلافان: أحدُهما كالاختلاف في الأذان، والتكبير في الجنائز، والتشهُد، وصلاة الأعياد، وتكبير التشريق، ووُجُوه القِراءات، ووجوه الفُتْيا، وهذا ليس باختلافٍ، إنما هو تخيُرٌ وسعَة وتخفيفٌ من المِحْنة، فمن أذنَ مَثْنَى وأقام مثنى وأقام فُرَادىَ، ولا يَتَعايَرُون بذلك ولا يتَعَايبَوُن، والاختلافُ الآخرُ كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتَأْويل الحَدِيث معِ اجتماعنا على أصل التنزيل واتفاقنا على عَيْن الخبر، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنْكَرْت هذا الكتابَ، فقد يَنْبغي أن يكونَ اللفظُ بجميع التوراة والإنجيل متَفَقًا على تأويله كما يكون متَفقًا على تنزيله، ولا يكون بين جميع اليهود والنصارى اختلافٌ في شيء من التأويلات؛ وينبغي لك ألاَ تَرْجِع إلا إلى لُغَةٍ لا اختلافَ في تأويل ألفاظها؛ ولو شاء الله أن يُنْزِلَ كُتُبَه ويَجْعَلَ كلامَ أنبيائِهِ وورثةِ رسلِه لا يحتاج إلى تفسير الفَعَل، ولكنَا لم نَرَ شيئًا من الدَين والدُنيا دُفِع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمرُ كذلك لسقَطَت البَلْوَى والمِحْنةُ، وذهبت المسابقةُ والمنافسة ولم يكن تفاضلٌ، وليسِ على هذا بَنَى الله الدنيا. قال المرتَد: أشهَدُ أن لا إلهَ إلا اللّه، وأن المَسِيحَ عَبْدٌ، وأن محمداَ صادقٌ، وأنك أميرُ المؤمنين حَقًَا. بين عبد الملك بن مروان ورجل كان يرى رأي الخوارج حدثني أبو حاتمِ عن الأصْمَعِيّ قال: سمِعتُ مَوْلًى لآلِ عُمَر بنِ الخطاب يقول: أخذَ عبدُ الملك بنُ مَرْوانَ رجلًا كان يَرَى رَأي الخوارج، رأي شَبِيب؛ فقال له: ألستَ القائل: ومِنّا سوَيْد والبَطِين وقَعْنَب *** ومِنّا أمِيرُ المؤمنين شَبِيبُ فقال: إنما قلتُ: "ومنا أميرَ المؤمنين شبيبُ"بالنصب، أي يا أميرَ المؤمنين. فأمر بتخلية سبيله. رفيع بن سلمة يخاطب أبا عثمان النحوي حدّثني عبدُ اللّه بن حَيان قال: كتب رَفِيع بن سَلَمَة المعروف بحَمَاد إلى أبي عُثمان النَحْوِي: تَفَكّرْتُ في النَّحْو حتى مَـلـل *** تُ وأتعبتُ نفسي به والبَـدَنْ وأتعبتُ بَكْـرًا وأصـحـابَـهُ *** بطولِ المسائل في كـل فَـن فمِن عِلْـمِـه ظـاهِـر بَـينٌ *** ومِن عِلْمهِ غامض قد بَطَـنْ فكنتُ بظـاهـره عـالِـمـًا *** وكنتُ بباطـنـه ذَا فِـطَـنْ خلا أنَّ بابًا علـيه الـعَـفَـا *** ءُ للفاء يا لـيتَـه لـم يَكُـن وللواوِ بـابٌ إلـى جَـنْـبِـهِ *** من المَقْت أحْسبُه قد لُـعِـنْ إذا قلتُ هـاتـوا لـمـا يُقَـا *** ل لستُ بـآتِـيك أو تَـأتِـيَنْ اجيبُوا لمـا قـيل هـذا كـذا *** علي النصب قالوا لإضْمار أنْ أو ما إن رأيتُ لها مَوْضِعـا *** فاعرِفَ ما قيل إلا بِـظَـنّ فقد خِفْتُ يا بَكْرُ مِن طُول ما *** أفَكَر في أمْرِ أنْ أن أجَـنْ لابن سيرين قال ابن سِيرينِ: ما رأيتُ على رجل أحْسن من فَصَاحة، ولا على امرأة أحسن من شَحْم. لابن شبرمة في فضل تعلُّم العربية وقال ابن شُبْرُمة: إذا سَرك أن تَعْظُم في عَيْن مَن كنتَ في عينه صغيرًا، ويَصْغُرَ في عينكَ من كان في عينك عظيمًا فتعلم العربيةَ، فإنها تُجْرِيك على المَنْطِق وتُدْنِيك من السْلطان. ويقال: النحو في العِلْم بمنزلة المِلْح في القِدْر والرامِكِ في الطيب. ويقال: الإعرابُ حِلْيةُ الكلام ووَشْيُهُ. لبعض الشعراء في النحو وقال بعضُ الشعراء: النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الألْكَنِ *** والمرءُ تًكْرِمُه إذا لم يَلْحَن وإذا طلبتَ من الـعـلـوم *** فأجَلها منها مُقِيمُ الألْسُـن بين أعرابي ورجل لحن في سؤاله قال رجل لأعرابي: كيف أهلِك، بكسر اللام. - يُريد كيفَ أهلُك - فقال الأعرابي: صَلْبًا، ظن أنه سأله عن هَلَكَته كيف تكون. وقيل لأعرابي: أتهْمِز إسراييلَ؟ قال: إني إذًا لرجلُ سُوءٍ؛ قيل له: أتَجُرُّ فِلَسْطِين؟ قال: إني إذًا لَقَوِي. وقيل لآخر: أتَهْمِز الفارةَ؟ فقال ة الهِرةُ تَهْمِزُها. وقيل: كان بِشرٌ المَريسِي يقول لأصحابه: قضى الله لكم الحوائجَ على أحسِن الوجوه وأهنؤُها؛ فقال قاسم التّمار: هذا كما قال الشاعر: إنَ سُلَيْمَيِ والله يَكْـلَـؤُهـا *** ضَنتْ بشيءٍ ما كان يَرْزَؤُها سمِعَ أعرابي مُؤَذنًا يقول: أشهَدُ أنّ محمدًا رسولَ اللّه، بنصب رسول؛ فقال: وَيْحَك يفعل ماذا؟ لمسلمة بن عبد الملك في اللحن، ومثله لآخرين قال مَسْلَمَةُ بن عبدِ الملك: اللحنُ في الكلام أقبحُ من الجُدَري في الوجه. وقال عبدُ الملك: اللحن في الكلام أقبحُ من التفتيق في الثوب النفيس. قال أبو الأسْوَد: إني لأجِدُ غَمْزًا كَغَمز اللحم. بين الخليل بن أحمد وأعرابي قال الخليل بن أحمد: أنْشدَني أعرابي: وإن كِلابًا هنه عَشْرُ أبـطُـن *** وأنتَ بريءٌ من قبائلها العَشْر فجعلتُ أعجَبُ من قوله: عَشْر ابطُنٍ حين أنَثَ لأنه عَنَى القَبِيلة، فلما رأى عجَبَي ذلك، قال: أليس هكذا قول الآخر: فكان مَجِنَي عون من كنتُ أتَقي *** ثلاث شُخُوص كاعِبانِ ومُعْصِرُ لرجل من الصالحين قال رجل من الصالحين: لئِنْ أعرَبْنا في كلامنا حتّى ما نَلْحَن لقد لحَنا في أعمالنا حتى ما نعرِب. لأعرابي سمع قومًا يلحنون دخلِ أعرابي السوقَ فسمِعهم يَلْحَنُون، فقال: سبحانَ اللِّه! يَلْحَنُون ويَرْبَحُون ونحن لا نلحَن ولا نربَح! بين رجل وزياد دخل رجل على زِيادٍ فقال له: إنّ أبينَا هَلَك، وإن أخِينا غَصَبنا على ميراثنا من أبانا. فقال زياد: ما ضيعتَ من نفسك أكثرُ مما ضاع من مالك. بين بلال وشبيب بن شيبة قال الرياشي عن محمد بن سلام عن يُونُسَ قال: قال بلالُ لشَبِيب بن شَيْبَةَ وهو يَسْتَعْدِي على عَبْدِ الأعلى بن عبد الله بنِ عامرٍ قال: أحْضِرْنِيه. قال: قد دعوتُه لكُل ذلك يأبى؛ قال بلال: فالذنبً لكلّ. لبعض الشعراء قال بعض الشعراء: إما تَرَيْني وأثوابـي مُـقَـارِبة *** ليستْ بخَزٍّ ولا من نَسْجِ كَتَّـان فإن في المَجْدِ هِمًاتِي وفي لُغَتي *** عُلْوِيَّةً ولسَاني غـير لَـحَّـانِ بين زياد ومولى له وقال فِيلٌ مَوْلَى زيادٍ لزيادٍ: أهْمَوا لنا هِمَار وَهْشٍ. فقال: ما تقول. وَيْلَك! فقال: أهْدَوْا لنا أيرًا؛ فقال زياد: الأوّلُ خَير. سَمِع أعرابي واليًا يَخْطُب فَلَحن مرّةً أو اثنتين، فقال: أشْهَدُ أنك مَلَكتَ بقَدَر. وسَمِع أعرابي إمامًا يقرأ: "وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَى يُؤْمِنُوا"بفتح تاء تنكحوا، فقال سبحانَ الله! هذا قبلَ الإسلام قبيح فكيف بَعْدَه! فقيل له: إنه لحنَ، والقراءةُ"وَلَا تُنْكِحُوا فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إِمامًا فإنه يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللّه. قال الشاعر في جارية له: أوّلُ ما اسْمَعُ منها في السحَرْ *** تذكيرُها الأنْثَى وتأنيثُ الذَكَرْ والسًوْءَةُ السوءُ في ذِكْر القَمَرْ بين الحجاج ورجل عجمي قال الحجاج لرجل من العَجَم نَخّاس: أتَبِيعُ الدّوابً المَعِيبة من جندُ السلطان؟ فقال: شَرِيكاتنا في هوازها وشًرِيكاتنا في مداينها وكما تجيء تكون". فقال الحجّاج: ما تقول. ففَسَروا له ذلك فضَحِك وكان لا يضحَك. للحجاج أمَّ الحجّاجُ قومًا فقرأ والعاديات ضبحًا"وقرأ في آخرها"أن رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ"بنصب أن، ثم تنبه على اللام في لَخَبِير وأنّ"إنّ لما قبلها لا تكون إلا مكسورة فحَذَفَ الّلامَ من خبير، فقرأ"أن رَبهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذ خَبِير". للخيل بن أحمد في تصغير واصل قال أبو زيد: قلتُ للخليل بن أحمد: لِمَ قالوا في تَصْغير واصل أو يصل ولم يقولوا وَيْصِل؟ فقال: كَرِهوا أن يُشَبَّهَ كلامهُم بنبح الكلاب. بين عيسى بن عمر وبلال بن أبي بردة حدثني سهلٌ عن الأصمَعيّ قال: كان عيسى بنُ عُمَر لا يَدَعُ الإعرابَ لشيء. وخاصم إلى بلال بن أبي بردةَ في جارية اشتراها مُصَابةً، فقال: لأن يذهبَ بعضُ حَق هذا أحبّ إليه من أن يَلْحَنَ؛ فقال له: ومَن يعلم ما تقول. فقال: ابن طرنوبة. وبينه وبين عمر بن هبيرة وقد ضربه وضربه عمرُ بنُ هُبَيْرة ضربًا كثيرًا في وَديعة أودعها إياه إنسانٌ فطلبها، فما كان يزيد على أن يقول: واللِه إن كانت إلا أثيابًا في اسَيْفاط قَبَضَها عَشَارُوك. بين أبي خالد النُّميري وجارية تَبِع أبو خالد النُّمَيْري صاحبُ الغَريب جارية مُتَنَقِّبة فكلّمها فلم تُكلًمْه، فقال: يا خريدةُ، لقد كنتِ عندي عَرُوبًا أَنَمِقُكِ وتشْنَئِينا! بين سهل بن هارون وجارية رومية له وقال سهلُ بن هارونَ لجارية له رُومية أعجمية: إن أقل ما يَنْطِوي عليه ضميري من رَسِيس حبك لأجل من كل جليل، وأكثرُ من كل كثير. شعر مالك بن أسماء في جارية له وقال مالك بنُ أسماء في جارية له: أمُغَطًى مني على بَصَري لـل *** حب أم أنتِ أكملُ الناس حُسنا؟ وحَـديثٍ ألَـذُّهُ هـو مـمــا *** يَشْتَهِي الناعتـون يُوزنُ وَزْنـا مَنْطِق صَائبٌ وتَلْـحَـنُ أحـيا *** نًا وأحْلَى الحديثِ ما كان لَحْنـا قال ابن درَيْد: استثقل منها الإعرابَ. بين أبي علقمة وأعين الطبيب دخل أبو عَلْقَمَة علي أعْينَ الطبيب فقال له: أمتعَ الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجَوَازِل فطَسِئْتُ طَسْاةً، فأصابني وَجَعٌ ما بين الوَابِلَة إلى دَأيَة العنقُ فلم يزل يَربوُ ويَنْمِي حتى خالط الخِلْبَ والشَراسِيفَ، فهل عندك دواء؟ فقال أعْيَن: نعم، خذ خربقًا وشلفقًا وشِبْرِقًا فزَهْزِقْهُ وزَقْزِقه واغْسِلْه بماء رَوْثٍ واشربْه؛ فقال أبو عَلْقمة: لم أفهمْ عنك؛ قال أعين: أفهمتُك كما أفهمتَنِي. وقال له يومًا آخَرَ: إني أجِد مَعْمَعةً في بطني وقَرْقرةً؛ فقال له: أما المعمعةُ فلا أعرِفها، وأما القرقرةُ فهي ضُرَاطٌ لم يَنفَج. بين الهيثم بن العُريان ورجل أتى رجلٌ الهَيْثَمَ بنَ العًرْيان بغَرِيم له قد مطَلَهُ حقَّه فقال: أصلح اللّه الأميرَ، إنّ لي على هذا حَقًا قد غلبني عليه؛ فقال له الآخرُ: أصلحك الله، إن هذا باعني عَنْجَدًا واستنسأتُه حوْلًا وشرطتُ عليه أن أعطيَه مُشاهرة فهو لا يلقاني في لَقَمٍ إلا اقتضانِي. فقال له الهيثمُ: أمن بني أميّة أنت. قال: لا، قال: فمن بني هاشم. قال: لا؛ قال: فمن أكفائهم من العرب؟ قال: لا؛ قال: وَيْلِي عليك! انَزْع ثيابَه يا جِلْوَاز فلما أرادوا نَزْعَ ثيابِه قال: أصلحك الله، إنّ إزاري مُرَعْبَل. قال: دعوه، فلو تَرَك الغريبَ في وقتٍ لتركه في هذا الوقت. لأبي علقمة بالبصرة ومرّ أبو علقمة ببعض الطُّرُق بالبصرة فهاجت به مِرةٌ فسقط ووَثَب عليه قومٌ فأقبلوا يعصِرون إِبهامَه ويُؤذِّنون في أذنه، فافْلِتَ من أيديهم وقال: ما لكمِ تَتَكاكَأون عليَ كما تتكأْكَاون على ذِي جِنَّة! إفْرَنْقِعُوا عَنَي. فقال رجلٌ منهم: دَعُوه فإنّ شيطانه هِنديٌ، أمَا تسمعونه كلّم بالهِنديّة. وله يخاطب حجّام يحجمه وقال لحجّام يَحْجِمُه: انظُر ما آمُرك به فاصنَعْه، ولا تكن كمن أمِر بأمرٍ فضيّعه، أنْقِ غسل المَحَاجِم واشدُدْ قُضُبَ المَلاَزِم وأرْهِفْ ظُبّات المَشارِط وأسْرع الوضع وعجل النًزْعَ وليْكُن شرطُك وَخْزًا، ومضُك نَهْزًا، ولا تُكرِهن آبيًَا، ولا تردن آتِيًا. فوضع الحجّامُ محاجمه في جونته ومضى. بين أعرابي وأبي المكنون النَّحْوي سَمِع أعرابي أبا المكنون النَحْوي في حَلْقَته وهو يقول في دعاء الاستسقاء: اللهم ربّناَ وإلهَنَا ومولانا صلّ على محمد نبيّنا؛ اللهم ومَن أراد بنا سوءًا فأحِطْ ذلك السوءَ به كإحاطة القلائد على تَرَائب الوَلَائد، ثم - ارسِخْه على هَامَته كرُسُوخ السَجِّيل على هَام أصحاب الفِيل؛ اللهم اسْقنا غَيْثًا مُغيثًا مَريئًا مَريعًا مُجَلْجلًا مُسْحَنْفِرًا هَزِجًا سَحًّا سفُوحًا طَبَقًا غدقًا مُثْعَنجِرًا. فقال الأعرابيّ: يا خليفةَ نوح هذا الطوفان وربّ الكعبة، دَعْني آوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني من الماء. بين أبي الأسود الدؤلي وغلام يقعَر في كلامه أبو الحسن قال: كان غلام يُقعَر في كلامه، فأتى أبا الأسود الدُّؤلي يلتمس ما عنده؛ فقال له أبو الأسود: ما فعل أبوك؟ قال: أخذته الحُمى فَطَبَخَتْه طَبْخًا وفَضَخَتْه فَضْخًا وفنخته فَنْخًا فتركته فَرْخا"قال أبو الأسود: فما فعلت امرأته التي كانت تُجارُه وتُشَاره وتُزارُه وتهارُّه؛ قال: طلقها فتزوٌجت غيره فرَضِيت وحَظِيَت وبَظِيَت. قال أبو الأسود: قد عرفنا حَظِيت؛ فما بِظيَت؟ قال: حرف من الغريب لم يبلغك. قال أبو الأسود: يابن أخي، كل حرف من الغريب لم يبلغ عمك فاستُره كما تستر السنًوْرُ خُراها. لزيد بن كثيرة قال زيد بن كثيرة: أتيتُ بابَ كبير دار وهناك حَداد، فأردتُ أن ألج الدارَ فدَلَظَي دَلْظةً وادرس الناس عليهم فوالله إن زَلْنا نَظَارِ نَظَارِ حتى عَقَل الطلُ. وقال أيضًا: أتيتُ بابَ كبير وإذا الرجالُ صَتِيتَان وإذا أرْمدَاءُ كثيرة وطُهَارةٌ لا أحْصِيهم ولحَامٌ كأنها آكَام. شعر للطائي وقال الطائي: أيوسف جئتَ بالعَجَب العجيبِ *** تركتَ الناسَ في شَك مُرِيبِ سمعتُ بـكـل داهـيةٍ نـآدٍ *** ولم أسْمَع بـسـراج أديبِ أمَا لَوْ أنّ جهلَك كان عِلْمـًا *** إذًا لنفذتَ في عِلم الغُـيوبِ فما لَكَ بالغَرِيب يد ولـكـنْ *** تَعَاطِيكَ الغريبَ من الغَريبِ لرؤبة بن العجاج قال رؤبة بن العَجّاج: خرجت مع أبي، نريد سليمان بنَ عبد الملك، فلمّا صِرْنا في الطريق اهْدِيَ لنا جَنْبٌ من لَحْم عليه كَرَافِئُ الشَحْم وخريطة من كَمْاةٍ ووطْب من لَبَن فطبَخْنا هذا بهذا، فما زال ذِفْرَيَايَ تَنْتِحَان منه إلى أن رجعتُ الكَرَافئُ: الطبقات، وكذلك كرافئ السحاب" من عتبة بن أبي سفيان لعبد الصمد مؤدَب ولده قال عُتبة بن أبي سُفيان لعبد الصمد مؤدِّب ولده: ليكن إصلاحُك بَني إصلاحَك نفسك، فإن عُيوبَهم معقودة بعَيْبك، فالحسنُ عندهم ما استحسنتَ، والقبيحُ ما استقبحت؛ وعلِّمهم سِيَرَ الحكماءِ، وأخلاقَ الأدباء، وتهدَدْهم بي وأدَبْهم دوني؛ وكن لهم كالطبيب الذي لا يَعْجَل بالدواء حتى يَعْرِف الداء؛ ولا تَتَكِلَنَ على عذر مني، فإني قد اتكلتُ على كِفاية منك. من الحجاج لمؤدب بنيه قال الحجّاج لمؤدب بنيه: علِّمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم يَجدون مَنْ يكتُبُ عنهم، ولا يَجِدون مَن يَسْبَحُ عنهم. من عبد الملك لمؤدب ولده وقال عبد الملك لمؤدٌب ولده: علِّمْهم الصدق كما تُعَلَمهم القرآن وجَنِّبْهم السًفِلَةَ فإنّهم أسوأ الناس رِعَةً وأقلُهم أدبًا، وَجَنَبْهُم الحَشَم فإنّهم لهم مَفْسَدة؛ وأحفِ شُعُورَهم تَغْلُظْ رِقابُهم، وأطْعِمْهم اللحمَ يَقْوَوْا؛ علَمهم الشِّعر يَمْجُدُوا ويَنْجُدُوا، ومُرْهم أن يَستاكوا عَرْضًا ويَمُصوا الماء مصًا ولا يَعبُوُه عَبًّا؛ وإذا احتجتَ إلى أن تتناولَهم بأدب فليكن ذلك في سِتْر لا يعلَمُ به أحدٌ من الغاشية فَيَهُونُوا عليه. وقال آخر لمؤدَب ولده: لا تُخْرجهم من عِلْم إلى عِلْم حتى يُحْكِمُوه، فإن اصطِكَاكَ العلم في السمع وازدحامَه في الوَهم مَضَلَةٌ للفهم. شعر شريح إلى معلم ولده يوصيه به وكان لشُرَيح ابن يلْعَب بالكلاب، فكتَب شُرَيحٌ إلى مُعلمه: تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بـهـا *** طلب الهِرَاش مع الغِوَاةِ الرُّجس فإذا خَلَوْتَ فَعَـضّـه بـمَـلاَمَةٍ *** وِعظَتْهُ وَعْظَكَ للأرِيب الكَـيس وإذا همَمْتَ بضَـرْبِـه فـبـدرَةٍ *** وإذا بلغتَ بها ثلاثًا فـاحْـبِـس واعْلَمْ بأنك ما فعلتَ فنـفـسُـه *** مع ما يُجَرعُني أعَز الأنْـفُـس وقال آخر لرجل يلعب بالكلاب: أيها المُبْتلَى بحب الكـلابِ *** لا يُحِبّ الكلابَ إلا الكلاب لو تَعَريتَ وسطها كنتَ منها *** إنما فُقتَها بلُبْس الـثـياب وقال آخر: لتَبْـكِ أبـا أحـمـدٍ قِـردةٌ *** وكَلْبُ هِرَاشٍ ودِيك صَدُوحُ وطيرٌ زِجَـالٌ وقُـمْـرِية *** هَتُوفُ العَشِي وكَبْشٌ نَطُو من حكم لقمان بلغني عن أبي الحسن العُكْلي عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المُزنيّ قال: سمعت أبي يقول قال لقمان: ضربُ الوالدِ وَلَده كالسمَاد للزرع. وصية عمر لأهل الشام حدّثني محمد بن عُبَيد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن ابن المبارك عن أسامة ابن زيد عن مكحول قال: كتب عمر إلى أهل الشام: عَلَموا أولادَكًم السَبَاحةَ والرمْي والفُرُوسية. ما كانت تسميه العرب الكامل من الرجال وكانت العرب تُسمَي الرجل، إذا كان يكتُب ويُحسِن الرًمْي ويُحسِن العَوْم وهي السِّباحة ويقول الشَعْر، الكاملَ. للنبي صلى الله عليه وسلم في البيان حدّثني عَبْدة بن عبد الله قال: حدثنا يحيى بن آدم عن قيس عن الأعمش عن عِمارة بن عُمَير عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان سِحرًا"فأطيلوا الصلاةَ وأقْصِرُوا الخُطَبَ. وقال العبّاس: يا رسولَ اللّه، فيم الجَمَالُ. قال: "في اللسان". وكان يقال: عَقْلُ الرجل مدفون تحت لسانه. ليزيد بن المهلب وقال يزيد بن المُهلًب: أكرهُ أن يكون عقلُ الرجل على طَرَف لسانه. يريد أنه لا يكون عقلُه إلا في الكلام. وقال الشاعر: كَفَى بالمرء عَيْبًا أن تـراهُ *** له وَجْة وليس له لسـان وما حُسْنُ الرجالِ لهم بزَيْن *** إذا لم يُسعد الحسنَ البـيانُ لخالد بن صفوان وقال خالد بن صفوان لرجل: رحم الله أباك، فإنّه كان يَقْرِي العَيْنَ جَمَالًا، والأذنَ بيانًا. شعر للنمر بن تولب وقال النَمِرُ بن تَوْلَب: أعذنِي رَبِّ من حَصَرٍ وعِيٍّ *** ومن نفس أعالِجُها عِـلَاجـا ومن حاجاتِ نَفْسي فاعْصِمَني *** فإن لمُضْمراتِ النفس حَاجا وصف أعرابي رجلًا يتكلّم فيُحسِن فقال: يضَعُ الهِنَاءَ مواضِعَ النُّقْبِ من أمثال العرب في البلاغة ومثلُه قولُهم: فلان يُجِيد الحَزَ، ويُصِيب المَفْصِل. وربما قالوا: يُقِلّ الحز. لمعاوية في عبد الله بن عباس وقال معاوية في عبد الله بن عبّاس: إذا قال لم يَتْرُك مقالًا ولم يَقِـفْ *** لِعِيٍّ ولم يَثْنِ اللسانَ على هُجْر يُصَرف بالقول اللسانَ إذا انتحى *** ويَنْظُرُ في أعطافه نَظَرَ الصَقْرِ ولحسان في ابن عباس وقال حسّان فيه: إذا قال لم يَتْرُك مـقـالًا لـقـائلٍ *** بملتَقَطَاتٍ لَا تَرَى بينها فَـصـلا شَفَى وكَفَى ما في النفوس فلم يَدَعْ *** لذي إزْبَةٍ في القول جِدَا ولا هَزْلا سَموتَ إلى العلْيَا بغـير مَـشـقةٍ *** فنِلْتَ فُرَاهَـا لَا دَنِـيَا ولَا وَغْـلا ويقال: الصمتُ مَنَامٌ والكلامِ يَقَظةٌ. ويقال: خير الكلام ما لم يُحْتج بعده إلى الكلام. للعباس بن الحسن الطالبي ذكر العباس بن الحسن الطالبي رجلًا فقال: ألفاظُه قوالِبُ معانيه. أعرابي يمدح رجلًا ومدح أعرابي رجلًا فقال: كلامه الوَبْلُ على المَحْل، والعَذْبُ البارِدُ على الظًمَأ. وقال الحُطَيئة: وأخذتُ أقطارَ الكلام فلم أدَعْ *** فَمًّا يضُر ولا مَدِيحًا يَنْفَـعُ الحطيئة وعمرو بن عبيد وكان الحطيئة يقول: إنما شِعْري حَسَبٌ موضوع. فسَمِع ذلك عمرُو بن عُبَيْد فقال: كَذَبَ، تَرَّحَه الله، إنما ذلك التقوى. جواب عمرو بن عبيد لمن سأله عن صفة البلاغة قيل لعمرو بن عًبيد: ما البلاغة؟ فقال: ما بلغك الجَنة، وعَدَل بك عن النار. قال السائل: ليس هذا أريد. قال: فما بَصرك مواقِعَ رُشْدك، وعواقِبَ غَيك. قال السائل: ليس هذا أريد. قال: من لم يُحسِن الاستماع لم يُحْسِن القول. قال: ليس هذا أريد. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا مَعْشَر الأنبياء بِكَاءٌ"، وكانوا يكرهون أن يزيدَ مَنْطِق الرجل على عقله. قال: ليس هذا أريد. قال: كانوا يخافون من فتنة القول ومن سَقَطات الكلام ما لا يخافون من فتنة السكوت ومن سَقَطَات الصَّمْت. قال: ليس هذا أريد. قال: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ حسن إفهام؟ قال: نعم. قال: إنك إن أردت تقرير حجة الله في عقول المكلفين، وتخفيف المَؤُونة على المُستمعين، وتزيين تلك المعاني في قلوب المرِيُدين، بالألفاظ المُسْتَحْسَنة في الآذان، المقبولة عند الأذهان، رغبةً في سُرْعة استجابتهم، ونَفْي الشواغل عن قلوبهم، بالمَوْعِظَة الحسنة من الكتاب والسُّنة، كنت قد اوتيتَ فصلَ الخِطَاب، واستوجبتَ على الله جزيلَ الثواب. لبعضهم في زياد قال بعضهم: ما رأيت زيادًا كاسِرًا إحْدَى أعَيْنيه واضعًا إحدى رِجليه على الأخرى يُخاطب رَجُلًا إلا رحمتُ المُخاطَبَ. مثله لآخر في زياد وقال آخر: ما رأيتُ أحدًا يتكلم فيُحسن إلا أحببْتُ أن يَصْمُتَ خوفًا من أن يُسيءَ إلا زيادًا فإنه كلما زاد زاد حُسْنًا، وقال: وقبلَك ما أعييتُ كاسِر عَينِه *** زِيادًا فلم تَقْدِرْ علي حَبَائِلُهْ لعمر بن الخطاب في عمرو بن العاص قال محمد بن سلام: كان عمرً بن الخطاب إذا رأى رجلًا يُلجْلِج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عَمْرو بن العاص واحد!. لعبد الملك في عمرو بن سعيد الأشدق وتكلم عمرو بن سعيد الأشْدَق، فقال عبد الملك: لقد رجوتُ عثْرَته لما تكلم، فأحسن حتى خَشِيت عَثْرَته إن سكت. بين معاوية وصحار العبدي أبو الحسن قال: قال معاوية لصُحَار العَبدي: ما هذه البلاغةُ التي فيكم. فقال: شيءٌ تَجِيشُ به صدُورُنا ثم تَقْذِفُه على ألسنتنا. فقال رجل من القوم: هؤلاء بالبُسْر أبصرُ. فقال صُحَار: أجل، والله إنّا لنعلم أن الريحَ تُلقحه وأن البرد يُعقده وأن القَمَر يَصْبغه وأن الحر يُنْضِجُه. فقال معاوية: ما تَعُدون البلاغةَ فيكم؟ قال: الإيجاز، قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تُجيب فلا تبطئ، وتقولَ فلا تخطئ، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألا تبطئَ ولا تخطئَ. أبو الحسن قال: وَفَد الحسن بن علي على معاوية الشأمَ، فقال عمرو بن العاص: إن الحسنَ رَجُلْ أمَة فلو حملتَه على المِنْبَر فتكلم فسَمِع الناسُ من كلامه عابُوه؛ فأمره فَصعد المِنْبَر فتكلم فأحسن؛ وكان في كلامه أنْ قال: أيها الناس، لو طلبتُم ابنًا لنبيكم ما بين جَابَرْس إلى جَابَلْق لم تَجِدُوه غيري وغيرَ أخي وَإنْ أدرِي لَعَلهُ فِتْنَة لَكُمْ ومتاع إلَى حِين. فساء ذلك عَمْرًا وأراد أن يَقْطع كلامه، فقال: يا أبا محمد، هل تَنْعَت الرُّطَبَ؟ فقال: أجل، تلْقِحُه الشمَال وتُخَرجه الجَنُوب ويُنْضِجُه بَرْدُ الليل بحرً النهار. قال: يا أبا محمد، هل تَنْعَتُ الخِرَاءَةَ؟ قال نعمِ، تُبعِد المَمْشَى في الأرض الصحْصَح حتى تَتَوارَى من القوم، ولا تَسْتَقْبِل القِبْلَة ولا تَسْتدْبِرها، ولا تَسْتَنْجي بالروْثَة ولا العَظْم، ولا تبول في الماء الراكد؛ وأخَذَ في كلامه. وكان يقال: كل شيء ثَنَيْتَه يقْصُر ما خلا الكلامَ، فإنك كلما ثنيتَه طال. للحسن في أصناف الرجال قال الحسن: الرجال ثلاثة: رجلٌ بنفسه، ورجل بلسانه، ورجل بماله. بين صعصعة بن صوحان ومعاوية تكلم صَعْصَعةُ بن صُوحان عند معاوية فعَرِق، فقال معاوية: بَهَرك القولُ! فقال صعصعة: إنّ الجِيَادَ نضَّاحة للماء. ويقال: أبلغُ الكلام ما سابق معناه لفظَه. من كتاب الهند في صفات البلاغة والبليغ وفي كتاب للهند: أوّلُ البلاغة اجتماعُ آلةِ البلاغة، وذلك أن يكون الخطيبُ رابِطَ الجأْش، ساكِنَ الجوارح قليلَ اللفْظ مُتَخَيرًا للفظ، لا يُكلم سَيدَ الأمّة بكلام الأمة، ولا الملوكَ بكلام السوقة، ويكون في قوَاه فَضْل للتَصرُّف في كل طبقة، ولا يُدَقِّق المعانيَ كلَّ التدقيق، ولا يُنَقِّح كلّ التنقيح ولا يُصفَيها كلَّ التَصْفِية ولا يُهذَبها غايةَ التهذيب، ولا يفعل ذلك حتىِ يُصادِفَ حكيمًا أو فيلسوفا عليما. ويكون قد تَعوّد حَذْفَ فُضول الكلام وإسقاطَ مشْترَكاتِ الألفاظ، قد نَظَر في صِناعة المَنْطِق على جِهَة الصناعة والمُبالغة لا على جهة الاعتراض والتصفُّح. مثله لجعفر بن يحيى البرمكي في البيان ونحو هذا قول جعفر بن يحيى البَرْمكيّ وقيل له: ما البيان؟ فقال: أن يكون الاسم يُحيط بمعناك ويَحْكِي عن مَغْزَاك، وتُخْرِجه من الشركة ولا تَستعين عليه بالفِكْرة، والذي لا بدَّ له منه أن يكونَ سَليمًا من التكلُّف، بعيدًا من الصنعة، بريئًا من التعَقد، غَنِيًا عن التأويل. للأصمعي في البليغ قال الأصمعي: البليغ مَن طبق المَفْصِل وأغناك عن المفسر. رد الحجاج على قتيبة بن مسلم وقد اشتكى من أمور قال المدائني: كتب قُتَيبةُ بن مُسلم إلى الحجاج يشكو قِفةَ مَرْزِثَتِه من الطعام وقلة غِشْيانه النساء وحَصَره على المِنْبر؛ فكتب إليه: استكْثر في الألوان لتُصِيبَ من كلٌ صَحْفة شيئًا، واستَكْثِر من الطرُوقَة، تجِدْ بذلك قوةً على ما تُريد، وأنْزِل الناس بمَنْزِلة رجل واحد من أهل بيتك وخاصتك، وارْم ببصرك أمَامَك تبلُغْ حاجتك. لبعض الشعراء في العيّ والبلاغة قال بعض الشعراء: إن كان في العِيَ آفاتٌ مُقَدَرَةٌ *** ففي البلاغة آفات تًساوِيهـا بين معاوية ورجل تكلم عنده تكلم رجل عند معاوية فَهذَر، فلما أطال قال: أأسكتُ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: و هل تكلمتَ! في العي واللحن ويقال: أعيا العِيّ بلاغةٌ بِعي، وأقبحُ اللَّحْن لَحْنٌ بإعراب. وقال أعرابي: الحظ للمرء في أذنه، والحظُّ لغيره في لسانه. ويقال: رب كلمةٍ تقول دَعْني. ويقال: الصمتُ أبلغُ من عِيً ببلاغة. ونحوه قول الشاعر: أرى الصمتَ أدْنى لبعض الصًوَابِ *** وبعض التًكَـلـم أدنـى لـعِـي لجعفر البرمكي، وغيره وقال جعفر البَرْمَكي: إذا كان الإكثارُ أبلغَ كان الإيجازُ تقصيرًا، وإذا كان الإيجازُ كافِيًا؛ كان الإكثارُ عيًا. قال ابن السماك: العربُ تقول: العَيُّ الناطق أعيا من العَي الصامت. قال أنوشِرْوَان لبزُرْجِمِهْر: متى يكون العييُ بليغًا؟ فقال: إذا وَصَف حَبِيبًا. قال يُونُس بن حبيب: ليس لعي مُرُوءةٌ، ولا لمنقوص البيان بَهَاء، ولو بَلَغَ يَأفُوخه أعنانَ ماء. لبعض الشعراء قال بعضُ الشعراء: عَجِبت لإدلال العَيِي بـنـفـسـه *** وصمتِ الذي قد كان بالحق أعلما وفي الصمت سَتْرٌ لِلعَمِي وإنمـا *** صحيفةُ لبَ المَرْءِ أن يتكلَـمـا لسعيد بن العاص قال سعيدُ بن العاص: مَوْطِنان لا أسْتَحْيِ عن العِي فيهما: إذا أنا خاطبتُ جاهلًا، وإذا أنا سألتُ حاجةً لنفسي. لأعرابي وقد ذكر رجلًا ويعيا ذكر أعرابي رجلًا يَعْيَا فقال: رأيتُ عَوْراتِ الناس بين أرْجُلِهم، وعَوْرَةَ فلان بَيْنَ فَكيْه. وعابَ آخرُ رجلًا فقال: ذاك من يَتَامَى المَجْلِس، أبلغُ ما يكون في نفسه أعيا ما يكون عند جُلَسائه. قال ربيعة الرًّأي: الساكتُ بين النائِم والأخْرَس. لأبي مسهر في فضل الكلام على الصمت تذاكر قوم فضلَ الكلام على الصمت وفضلَ الصمت على الكلام، فقال أبو مُسْهِر: كلا إن النجْمَ ليس كالقَمَر، إنك تَصِف الصمتَ بالكلام، ولا تَصِفُ الكلامَ بالصمت. لسليمان بن عبد الملك في الكلام وذم قومٌ في مجلس سليمانَ بنِ عبد الملك الكلامَ، فقال سليمان: اللهم غَفْرًا، إن من تكلم فأحْسَنَ قَدر أن يَصْمُت فيُحْسِن؛ وليس مَن صَمَت فأحْسن قادرًا على أن يتكَلم فيُحسن. لبكر بن عبد الله ولابن الخطاب في الصمت قال بكرُ بن عبد الله: طول الصمتِ حُبْسَةٌ. ونحوه قول عُمَر بن الخطاب: ترك الحركةِ عُقْلَة. بين نوفل بن مساحق وامرأته وكان نَوْفل بن مُساحِق إذا دخل على امرأته صَمَتَ، وإذا خرج من عندها تكلم؛ فقالت له: أما عندي فتطْرِق، وأنا عند الناس فتَنْطِق! فقال: أدق عن جَلِيلكِ وتجلينَ عن دقيقي. من حِكم لقمان وفي حكمة لقمان: يا بُنَي، قد ندِمتُ على الكلام ولم أنْدمَ على السكوت. حكاية في فضيلة الصمت قال ابن إسحاق: النسنَاسُ خَلْق باليَمن لأحدهم عَيْن ويَدٌ ورِجْل يَقْفِز بها، وأهل اليمن يصطادونهم؛ فخرج قومٌ في صيدهم فَرأوْا ثلاثةَ نَفَر منهم فأدْرَكُوا واحدًا فعَقَرُوه وذَبحوه وتَوَارَى اثنان في الشجَر، فقال الذي ذَبَحه: إنه لسَمِينٌ. فقال أحدُ الاثنين: إنه أكَلَ ضِرْوًا. فأخذوه فذَبَحُوه، فقال الذي ذَبَحه: ما أنفعَ الصمتَ! قال الثالث: فها أنا الصميتُ، فأخذوه وذبحوه."الضرْوُ: حبة الخضراء". كان يقال: إذا فَاتَك الأدب فالزم الصمتَ. وقال بعضهم: لا يجترئ على الكلام إلا فَائِقٌ أو مَائِق. لشاعر يمدح رجلًا وقاد الشاعر يمدح رجلًا: صَمُوتٌ إذا ما الصمتُ زينَ أهلَه *** وفَتًاقُ أبْكارِ الكلام المُـخَـتَـم لأبي الدرداء في إنصاف الأذن من الفم قال أبو الدرداء: أنْصِفْ أذُنَيْكَ مِن فِيكَ، فإنما جُعُلَ لك أذُنَانِ اثنتان، وفَمٌ واحدٌ لتَسْمَعَ أكثرَ مما تقول. لقشيري في حظ الأذن واللسان حَضَر قشيري مجلسًا من مجالس العرب فأطال الصمتَ، فقال له بعضهم: بحق سُميتم خُرْسَ العرب. فقال القُشَيْرِيّ: يا أخي، إنّ حظّ الرجل في أذُنه لنفسه، وحظَّه في لسانه لغيره. لبعض الحكماء في الصمت وقال بعضُ الحكماء: أكثِرِ الصمتَ ما لم تكن مسؤولًا فإن فَوْت الصواب أيسرُ من خَطَل القول؛ وإذا نازَعتْك نَفْسُك إلى مراتب القائلين المُصِيبين، فاذكُر ما دون الصواب من وَجَل الخطأ وفضائح المُقصَرين. بين الهيثم بن صالح ورجل تكلم عنده بخطأ تكلم رجلٌ في مجلس الهَيْثم بن صالح بخطأ، فقال له الهيثمُ: يا هذا، بكلام مثلك رُزِقَ أهلُ الصمت المحبة. شعر لأبي نواس في فضيلة الصمت وقال أبو نُوَاس: خَلَ جَـــنْـــبَـــيْك لِــــرَام *** وامْـض عَـنْـــهُ بِـــسَـــلاَم مُتْ بداءِ الصَمتِ خَيْرٌ لكَ من داءِ الكلَام *** إنما السالمُ من أل *** جَمَ فـــاه بِـــلـــجَـــــام وقال آخر: رأيتُ اللسانَ على أهـلـه *** إذا ساسه الجهلُ لَيْثًا مغيرا لمالك بن دينار حدّثني أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا صاحبٌ لنا عن مالك بن دينار أنه قال: لو كانت الصحُف من عندنا لأقللنا الكلام. للأصمعي في تظرف العربي والفارسي وقال الأصمعي: إذا تظرّفَ العربي كَثُر كلامه، وإذا تظرف الفارسي كثر سكوته. لحاتم الطائي قال حاتم طيء: إذا كان الشيءُ يَكْفِيكَهُ الترْكُ فاتركه. نصيحة عبد اللّه بن الحسن لابنه قال عبد الله بن الحسن لابنه: استعن على الكلام بطول الفِكْر في المَواطن التي تدعوك فيها نفسُكَ إلى القول، فإنّ للقول ساعاتٍ يضُرّ فيها الخطأ ولا ينفع فيها الصواب. شعر لإياس بن قتادة وقال إياس بن قَتَادة: تُعَاقِبُ أيدينا ويَحْلم رأينا *** ونَشْتم بالأفعال لا بالتكلُم بين ابن السماك وجارية له تكلم ابن السَّمَّاك يومًا وجاريةٌ له تسمع كلامه، فلما دخل إليها قال: كيف رأيتِ كلامي قالت: ما أحسَنَه لولا أنّك تُكثر تَرْدَاده! قال: أردده حتّى يَفْهَمَه مَن لم يَفْهَمْه. قالت: إلى أن يَفْهَمه من لم يَفْهَمْه قد ملَه مَن فَهمه! للمسيح عليه السلام قال عيسى بنُ مَرْيم: مَن كان مَنْطِقُه في غير ذكرٍ فقد لغا، ومَن كان نظرُه في غير اعتبار فقدسَهَا، ومن كان صَمْته في غير فكرٍ فقد لها. العباس بن زفر وجرير كان العباس بن زُفَر لا يُكلم أحدًا حتى تَنْبسطَ الشمس، فإذا انْفَتَل عن صلاته ضَرَب الأعناق وقَطَع الأيدي والأرْجل. وكان جَرِير لا يتكلم حتى تبزُغَ الشمس، فإذا بَزَغت قَذفَ المُحْصَنَات. من التوراة قال قَتَادة: مكتوب في التّوراة: لا يُعاد الحديث مرتين. للزهري قال الزُهْرِيُ: إعادة الحديث أشدُّ من وَقْع الصَخْر. من كتاب للعجم وفي كتب العجم: أن أربعةً من الملوك اجتمعوا فقالوا كلُهم كلمةً واحدةً كأنها رمية بسهم: ملك فارس، وملك الهند، وملك الروم، وملك الصين. قال أحدهم: إذا تكلمت بالكلمة مَلَكَتْني ولم أمْلِكها. وقال آخر: قد نَدِمتُ على ما قلتُ ولم أنْدَم على ما لم أقُل. وقال آخر: أنا على رد ما لم أقل أقدرُ مني على رد ما قلتُ. وقال آخر: ما حاجتي إلى أن أتكلّم بكلمة، إن وقعتْ عليّ ضرْتني، وإن لم تقع علي لم تنفعني. لزبيد اليامي في كلمة لابن مسعود قال زُبَيْد الياميّ: أسكتتني كلمةُ ابن مسعود عشرين سنة: مَنْ كان كلامه لا يوافق فعلَه فإنما يُوَبخ نفسه. من كتاب كليلة ودمنة وفي كتاب كليلة ودمنة: ثلاثة يؤمرون بالسكوت: الراقي في جبل طويل، وآكل السمك. والمُرَوَي في الأمر الجسيم. لبعض الشعراء قال بعض الشعراء: قد أفلح السالمُ الصَّمُوتُ *** كلامُ واعي الكلام قوتُ ما كل نطْقٍ لهُ جـوابٌ *** جوابُ ما يُكرهُ السكوتُ يا عجبًا لامرئ ظَـلُـومٍ *** مُستيقِـن أنـهُ يمـوتُ للأحنف في مجلس معاوية بلغني عن أبي أسامة عن ابن عَوْن عن الحسن قال: جلسوا عند معاوية فتكلموا وصَمَتَ الأحنف فقال معاوية: يا أبا بَحْر، ما لك لا تتكلم، قال: أخافُكم إن صَدَقْتُكم، وأخاف اللّه إن كذبت لابن عباس حدّثني محمد بنُ داود قال: حدّثنا الحُمَيديّ قال: حدثنا أبو الحَكَم مَرْوان بن عبد الواحد عن موسى بن أبي درهمِ عن وهب بن منبه قاد: قال ابن عبّاس: كفىِ بك ظالِمًا ألا تزالَ خَاصِمًا، وكفى بك آثماَ ألّا تَزال مُمَارِيًا، وكفى بك كاذبًا ألّا تزال مُحدَثاَ بغير ذكر الله تعالى. شعر في عثرة اللسان وقال بعضهم: يَمُوتُ الفتى من عَثْرةٍ بـلـسـانِـهِ *** وليس يموتُ المرءُ من عَثْرة الرِّجْل فعثرتُه من فِيهِ تَـرْمِـي بـرأسـهِ *** وعثرتُه بالرجْل تَبْرا على مَـهْـل لبعض الحكماء في صفة البلاغة سُئِل بعضُ الحكماء عن البلاغة، فقال: من أخذ معاني كثيرة فأداها بألفاظ قليلة، أو أخذ معانيَ قليلةً فوَلّد فيها ألفاظًا كثيرة. بلغني عن أبي إسحاق الفَزَاري قال: كان إبراهيمُ يُطِيل السكوتَ، فإذا تكلمِ انبسط فقلت له ذاتَ يوم: لو تكلمتَ! فقال: الكلام على أربعة وُجُوه، فمنه كلام ترجو منفعته وتَخْشم عاقبَتُه، فالفضلُ منه السلامةُ؛ ومنه كلام لا ترجو منفعتَه ولا تخشى عاقبتَه، فأقلُّ ما لَكَ في تركه خِفة المَؤُونة على بَدَنك ولسانك؛ ومنه كلامٌ لا ترجو منفعتَه وتخشى عاقبته، وهذا هو الدَّاء العُضال؛ ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتَأمَنُ عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نَشْره. قال: فإن هو قد أسقط ثلاثَةَ أرباع الكلام.
|